21 نوفمبر 2024 | 19 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. عمر السعيد: بر الوالدين يجلب البركة والخير في بيوت الأبناء

11 فبراير 2019

إن محبة المرء لوالديه والوفاء لهما من أسمى وأعمق العواطف النبيلة، فضلا عن كونه من أجلِّ القربات وأعظمها عند الله تبارك وتعالى، ولما كان بر الوالدين مروءة وعبادة وفريضة، فإن عقوقهما جريمة وكبيرة من الكبائر، ذلك أن الأبناء مهما أحسنوا لآبائهم فلن يستطيعوا أن يكافئوا الوالدين كما يليق بما قدموه لهم سلفا من عطف ورعاية، وتربية وعناية.
  حول فضل بر الوالدين في الإسلام تحدث فضيلة الدكتور عمر بن عبد العزيز السعيد، الأستاذ المشارك في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بالأحساء بالمملكة العربية السعودية، مؤكدا أن بر الوالدين أمره عظيم في دين الله، رفع ربنا شأنه، وأعلى ذِكره في كتابه الكريم حين قال: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء:٢٣]، وفي آية أخرى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} [الأحقاف:١٥]، من أجل هذا كان آباؤنا هم أحق الناس بالصحبة، كما علَّمنا نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته المطهرة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، مَن أحقُّ الناس بحُسن صحابتي؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم مَن؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم مَن؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم مَن؟ قال: ((أبوك)). [متفق عليه].
   من ناحية أخرى، إذا نظرنا في واقعنا المعاش، نجد أن الإنسان الصالح حين يرى منه الناس خُلقا واستقامة وصلاحا، يكون أول رد فعل تلقائي منهم هو الدعاء لوالديه ولمن رباه، والعكس بالعكس؛ ذلك الشخص الذي يؤذي الناس بقوله وفعله، غالبا ما يدعون عليه، وقد يدعون أيضا على من رباه، وللأسف، هذا الصنف من الناس والعياذ بالله يجلب لوالديه الأذى أينما حل وارتحل.
 
وهنا يبرز السؤال؛ كيف نبر بوالدينا؟
  يوضح فضيلة الدكتور السعيد أن علماء المسلمين قسموا بر الوالدين إلى قسمين: بر في حياتهما، وبر بعد موتهما.
  أما فيما يتعلق بالبر في حياة الوالدين، فأول ما يتوجب على الابن أن يضعه على رأس أولويات البر؛ هو النفقة عليهما، هذا باب خير عظيم ينبغي المسارعة إليه، إذا لم يكن للوالدين ما يكفيهما من مال، فيجب على الابن أن ينفق عليهما من ماله، وهذا فضلا عن كونه من الواجبات، فهو يعتبر من قبيل رد الإحسان، ومهما بلغ مقدار انفاقه، سيجد في المقابل البركة في ماله وفي صحته وفي أولاده.
   وحتى إن كان الوالدان في خير ونعمة ولا يحتاجان من ينفق عليهما، ينبغي على الأبناء ألا يغفلوا مسألة أخرى لا تقل أهمية عن الإنفاق؛ وهي الهدية، ينبغي على الأبناء بين الفترة والأخرى أن يقدموا لوالديهم العطايا والهدايا بما يسر الله لهم في المناسبات والأعياد وبدايات مواسم الصيف والشتاء، فهذا الأمر المحبب يدخل السرور على قلوب الأمهات والآباء.
  والمؤسف أن نجد في زمننا هذا من يعيش في خير وسعة، ويترك أبويه يطرقان أبواب الجمعيات الخيرية.
  ثانيا: من أعمال البر أيضا طاعة الوالدين، في غير معصية لأوامر الله عز وجل، وهنا ينبغي على الأبناء، وخاصة الشباب منهم، أن يراعوا احتياجات والديهم، وأن يحرصوا على أن يعينوهم على قضاء حوائجهم، خاصة عند الكِبر أو في حال المرض، فهذا يُشعر الوالدين بقدر من الطمأنينة والأمان.
ثالثا: ينبغي كذلك أن يحرص الإخوة على دوام علاقتهم الطيبة مع بعضهم البعض، والتجاوز عن أي أسباب قد تؤدي للخلاف أو المشاحنة، فكلما رأى الآباء أولادهم متحابين متكاتفين متعاونين، كلما زاد رضاهم واطمئنانهم على أبنائهم. 
رابعا: من البر كذلك استضافة الوالدين في بيوت الأبناء المتزوجين، فدخولهم للبيوت يجلب الفرحة والسرور على الآباء، علاوة على أنه يعلِّم الأحفاد الصغار كيف يكون البر بشكل عملي، ويعطي لهم المثَل والقدوة في أخلاقيات التعامل مع الوالدين.
   وأما فيما يتعلق بالبر بالوالدين بعد موتهما؛ فمهما طال العمر لابد وأن يأتي يوم الفراق، فإذا قدَّر الله تبارك وتعالى أن يموت أحد الوالدين أو كلاهما، فباب البر يظل مفتوحا بالدعاء لهما بالرحمة والمغفرة ورفع الدرجات، وكذلك بصلة أرحامهما وذوي القربى، وبالإحسان إلى أصدقائهما وتعهدهم بالهدايا بين الحين والآخر.
  أيضا هناك باب الصدقة الجارية، أن يرتب الابن مشروعا يكون صدقة جارية لوالديه، مثل كفالة حلقة علم، أو حفر بئر، أو المشاركة مع آخرين في عمل خيري، إلى آخر ذلك من أبواب الصدقات الجارية.
 من البر أيضا دوام ذكر محاسن الوالدين ونسب الفضل لهما في كل مناسبة، أمام الأبناء وبين الأهل والأقارب وفي المجالس بين الناس.
  وقبل كل ذلك وبعده، ينبغي أن يعلم كل منا أنه مهما قدم إلى والديه في حياتهما أو بعد مماتهما فلن يستطيع أن يفي حقهما مهما بذل من جهد ووقت ومال، فالبيوت التي فيها أعزاءنا الكبار تظل بيوتا عامرة، يملؤها النور والبركة ما دام البر بهما قائماً.
 

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت